أبجديات الغياب - نظرة في آليات الوعي المصري المعاصر

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

أستاذ الأدب الانجليزي المساعد بكلية الآداب جامعة دمنهور، مصر

المستخلص

تحاول هذه الدراسة الإجابة على تساؤل أساس يلخص مجمل أسئلتها وينسرب في خلفيات افتراضاتها
ونتائجها، ربما يمكننا وضعه على النحو التالي:
ما الذي يعبر عنه الانفصال القائم في الفعل الحضاري المصري المعاصر بين النظرية النقدية أو
التنظير الفني من جهة، وأهدافها التطبيقية من جهة أخرى، وبينهما معا وثقافة الشارع المصري؟ أو بصورة
أكثر عمومية: ما الذي يعبر عنه الانفصال القائم بين )المؤسسة( وفلسفة قواعدها الإجرائية من جهة، وأهدافها
التي أنشأت من أجلها من جهة أخرى، وبينهما معا وحاجات الحياة اليومية أو متطلبات الخبرة المباشرة في
العالم الحياتي العملي في مجتمعنا المعاصر؟
تسعى هذه الدراسة إذا إلى تقديم تفسير أولى لا يدعي الاكتمال لما أسمته على سبيل الإيجاز والمجاز
حالة الوعي الحضاري الحالي في وجهين من وجوهه: الوجه الثقافي الإدراكي والوجه النفسي العاطفي، متخذة
من مجال الإبداع النقدي والشعري منطقة عملها الأساس، ومن فلسفات الحضارة والنظرات النقدية عند
هابرماس، ليوتار، وبوديلار، وفوكو، وهويسن، وإيهاب حسن، وإدوارد سعيد، ولندا هاتشن، وبارت، وبول
دي مان، وغيرهم أطرها المرجعية المبدئية.
يحاول الجزء الأول في هذه الدراسة الوقوف على تعريف مبدئى لحالة الانفصال هذه وتحليل آليات
وجودها حال فعلها، ومناهج تبديها في النظرة الفنية والحضارية العامة على حد سواء، متخذا من مفهوم )البنية(
“ Structure ” تعريفا واصفا لهذا الانفصال ومظاهره الوعيية. ويحاول هذا الجزء أيضا أن يقدم نقدا موجزا
لهذا المفهوم من خلال تبيان أثره على الوعي الحضاري المعاصر وعواقب تبنى الفكر له في النظرية الفنية
والنظرة النقدية على حد سواء.
أما الجزء الثانى فيحاول تحليل ما يراه بوصفه أصول حالة الانفصال هذه وأسباب وجودها واستمرارها
وصور هذا الوجود المختلفة والمتنوعة في الفعل الحضاري العملي وخلفياته في الثقافة المعاصرة متخذا من
مفهوم السرديات الكبرى “ Grand Narratives ” عند ليوتار إطارا عاما له في تعريف أحد جوانب هذه
الأسباب والأصول وهو ما أسماه هذا الفصل )سردية( الوعي المصري المعاصر.
أما الجزء الأخير فيعرف قسمه الأول جانبا آخر من جوانب تلك الأسباب والأصول متخذا من مفهوم
التشبيهية “ Simulacra ” عند المنظر الفرنسي جان بوديلار أساسا عاما له، ويناقش قسمه الثاني والأخير
بعض الأفكار والتصورات الخاصة بثقافة الغرب المعاصر أو ما يعرف ب ما-بعد-الحداثة رغبةً في الإيحاء
بموجودات وعيية أخرى، وفي التمثيل على هذا الوجود، ومن ثم محاولة كشف الطرائق التي يمكن لأنواعها العامة الوصول إلى حالة )الوعي بالوعي( أو )الانعكاس على الذات( التي تراها هذه الدراسة حلا عمليا يمكنه
فتح الباب أمام محاولات مواجهة أعراض الانفصال والترهل الحضاري السائدة في مجتمعنا الحالى.
وعلي الآن أن أعرف مجموعة من المفاهيم والتعبيرات التي استخدمها هذا البحث بصورة متكررة
والتي أرى في تعريفها الآن تمهيدا مناسبا يجعل من مواجهتها في نص الدراسة أمرا أقل ضريبة على القارئ
والباحث على حد سواء. ما أعنيه بتعبير )الوعي الحضاري( يشبه ما يعنيه لوسيان جولدمان بتعبيره )العقل
الجمعى( [1] أو ما يعنيه فوكو بتعبيره )الخطاب( [2] ,من حيث افتراضه مجموعة معينة من العوامل
والصفات المنهجية العامة يشترك فيها أفراد مجتمع أو لسان معين، إلا أنه يختلف عنهما في تحديده جانبا واحدا
من هذا العقل وحقلا واحدا من حقول هذا الخطاب ألا وهو الجانب الحضاري أو الحقل الحضاري؛ أي جانب
أو حقل الفعل الاجتماعي الغائي وخلفيته الوعيية.
فالوعي الحضاري إذا –في تعريفه المبدئي- يشير إلى المناهج التركيبية والصفات الفكرية والمبادئ
النفسيية التي على أسياسيها يع ر رف الفرد )مكانه الحضياري( في المجتمع )تاجر، شياعر، مدرس - رب أسيرة،
أعزب – تقليدى، متحرر، متمرد، متبع للأخلاق السيييييييائدة، رحيم، عادل، متفهم – إيجابى، فاعل، سييييييلبى،
مسيييتسيييلم – محب للفنون، سيييطحى، عميق … إلخ(، أي دوره الفكري، والإنسييياني، والسيييياسيييي، والثقافي،
والاقتصيييييادى حسيييييب ما يتبدى في فلسيييييفة ونوع وقيمة وحجم فعله الاجتماعي إن سيييييلبا أو إيجابا ومن ثم لا
يختص الوعي الحضياري بالفكر المجرد أو الرؤية الشيخصيية إلا لو تبدى هذا الفكر وتلك الرؤية في فعل ما،
أو خرجا من حيزهما الشخصي إلى طرف آخر في المجتمع، وهكذا يختص هذا التعبير بكل تلك الأفعال دون
استثناء فيها، أو تفضيل بينها، ومن ثم يكون افتراضنا المبدئى الكامن خلف هذا التعبير هو أن كل فعل خارج
عن الفرد إلى مساحة اجتماعية ما أيا كان حجمها هو فعل حضارى بالضرورة
أما تعبير )الوعي الثقافي( فيشير إلى جانب واحد من هذا )الوعي الحضاري( هو الجانب الإدراكي،
ومن ثم يتضيمن خصيائص ومبادئ وصيفات الإدراك الكامنة في الوعي الحضياري للفرد في لسيان أو مجتمع
ما، والتي على الرغم من إمكانية اشييييييتراك جماعة لغوية ما في وجودها –أي هذه الخصيييييييائص والمبادئ
والصييييييفات- هى لا تزال خاصييييييية بالفرد وحده، حتى لو تطابقا تطابقا كاملا مع مثيلاتها لدى الجماعة، أو
افترض فيها ذلك افتراضيييا، لاحتوائها على بعد ذاتى لا يمكن تجنبه وهو البعد النفسيييى، ينطبق هذا الوصيييف
بيدوره على تعبيرى )الوعي النقيدى( و)الوعي الفني( كليهميا؛ إذ إنهميا يمثلان بيدورهميا جيانبين من جوانيب
)الوعي الثقافي(، ومن ثم يحملان صفاته وحدوده العامة

الكلمات الرئيسية